بسم الله الرحمن الرحيم
مقال للكاتب فهد عامر الأحمدي من صحيفةالرياض السعودية
مريض .. بالببلومانيا
قبل فترة أعاد لي صديق مبلغ ثلاثة آلاف ريال يدعي أنني أقرضتها له قبل ثلاث سنوات .. ورغم أنني لا أتذكر أين ومتى إلا أنني سارعت لإنفاقها على شراء مجموعة جديدة من الكتب، فبالإضافة الى تخصيصي مبلغاً شهرياً لهذا الغرض بلغ عشقي للكتب حد سن نظام صارم مفاده (أي مبلغ يأتي بلا سابق إنذار أو خارج ميزانية المنزل يحول فورا لمكتبة العبيكان و موقع أمازون).. وتصرف كهذا سببه مرض غريب عجيب يدعى ببلومانيا - لا حرم الله منها كل مسلم، وهي مصطلح نفسي يشير الى (حالة متطرفة من حب الكتب وجمعها)، والإشارات الأولى لهذا المرض تبدأ بالشعور بالبهجة والسرور عند مشاهدة أي كتاب سرعان ما تنقلب الى رغبة جامحة في مطالعته واقتنائه .. أما المرحلة المتقدمة فتتميز بالرغبة في تجميع أكبر قدر من الكتب لمجرد التجميع على افتراض قراءتها "ذات يوم" .. وقد يبلغ حب الكتب حد استخدام جلود الموتى لتجليدها كما كان يفعل بنيامين بتلر (أحد حكام مدينة نيو أوريلنز السابقين) أو تحميلها على ثلاثين جملاً ومرافقتها في كل مكان كما كان يفعل الصاحب بن عباد (الذي بالكاد تخلص من هذه العادة حين استعاض في أسفاره بكتاب الأغاني للأصفهاني) .. وفي الواقع يمكن تشبيه هؤلاء الجهابذة بجامعي التحف والأثريات النادرة. فهم مثل خبراء الآثار يتعرفون فورا على الكتب الفريدة من رائحتها وملمسها والمادة التي جلدت بها !
* وليقيني بأنني أحد "الببلومانيين" الذين يعتمد عليهم أرى في نفسي القدرة على "التطوع" وتعريف الببلوماني الأصيل من خلال الأعراض التالية :
- الببلوماني إن احترق منزله أول ما يفكر فيه إنقاذه كتبه الخاصة!
- قمة السعادة للببلوماني حضور أحد معارض الكتب أو حتى السماع بإقامتها في مدينة أخرى !
- الببلوماني إنسان يرتدي بالضرورة نظارة طبية ويصاب بصداع مزمن لعدم قدرته على ترك الكتاب الجيد في الوقت المناسب!
- الببلوماني المخلص لا يملك الكثير في البنك لأنه لا يستطيع كف يده عن أي كتاب جديد !!
- ونتيجة لعقدة الذنب هذه يحاول إقناع نفسه دائما بأنه عند الضرورة سيبيع الفائض منها .. ولكنه في الحقيقة لا يقبل حتى إعارتها !
- وأخيراً الببلوماني الحقيقي لا يتذكر تاريخ زواجه أو في أي مرحلة يدرس ابنه، ولكنه يتذكر متى اشترى كتاباً يملكه !
* ومع كل هذا أؤكد لك بأن الببلومانيا مرض لذيذ وكفيل بتوسيع المدارك والاطلاع على كل جديد (ناهيك عن فائدتها في تحرير مقال يومي) .. ومن المهم هنا التفريق بين الببلوماني الأصيل ومن يشتري الكتب بغرض الدراسة أو نيل ترقية مشروطة .. فالأخير تنقطع علاقته بالكتب - وقد يسارع للتخلص منها - بمجرد انتهاء حاجته إليها. أما الببلوماني المخلص فعلاقته بالكتب لا تنقطع إلا بدخوله القبر (وهو ما يمكن التعجيل به بإحراق مكتبته)!
ورغم أنني لن أصل يوما لمرحلة العبقرية أو الإبداع إلا أن التاريخ يثبت أن مامن عبقري أو مبدع سلم من هذا الداء - بدءاً بالشاعر اليوناني يوريبيديز في القرن الخامس قبل الميلاد وحتى المبدع الروسي باسترناك في هذا العصر. فبالنسبة لهؤلاء العباقرة كانت الببلومانيا عادة لاغنى عنها حتى يتراكم الفهم وتترابط الحقائق ويصل الدماغ لمرحلة "لابد للمكبوت من فيضان"!
- هل تعرفون أكثر ما يغيظني في هذا الموضوع !؟ .. أنني لم أقابل حتى الآن أمين مكتبة مصاباً بهذا المرض - فيا حبذا لو اقتصرت هذه الوظيفة على الببلومانيين وحدهم !
لا أعلم إن كان مسمى مرض الببلومانيا صحيحا
لحسن حظي أنا مصابة به
مقال للكاتب فهد عامر الأحمدي من صحيفةالرياض السعودية
مريض .. بالببلومانيا
قبل فترة أعاد لي صديق مبلغ ثلاثة آلاف ريال يدعي أنني أقرضتها له قبل ثلاث سنوات .. ورغم أنني لا أتذكر أين ومتى إلا أنني سارعت لإنفاقها على شراء مجموعة جديدة من الكتب، فبالإضافة الى تخصيصي مبلغاً شهرياً لهذا الغرض بلغ عشقي للكتب حد سن نظام صارم مفاده (أي مبلغ يأتي بلا سابق إنذار أو خارج ميزانية المنزل يحول فورا لمكتبة العبيكان و موقع أمازون).. وتصرف كهذا سببه مرض غريب عجيب يدعى ببلومانيا - لا حرم الله منها كل مسلم، وهي مصطلح نفسي يشير الى (حالة متطرفة من حب الكتب وجمعها)، والإشارات الأولى لهذا المرض تبدأ بالشعور بالبهجة والسرور عند مشاهدة أي كتاب سرعان ما تنقلب الى رغبة جامحة في مطالعته واقتنائه .. أما المرحلة المتقدمة فتتميز بالرغبة في تجميع أكبر قدر من الكتب لمجرد التجميع على افتراض قراءتها "ذات يوم" .. وقد يبلغ حب الكتب حد استخدام جلود الموتى لتجليدها كما كان يفعل بنيامين بتلر (أحد حكام مدينة نيو أوريلنز السابقين) أو تحميلها على ثلاثين جملاً ومرافقتها في كل مكان كما كان يفعل الصاحب بن عباد (الذي بالكاد تخلص من هذه العادة حين استعاض في أسفاره بكتاب الأغاني للأصفهاني) .. وفي الواقع يمكن تشبيه هؤلاء الجهابذة بجامعي التحف والأثريات النادرة. فهم مثل خبراء الآثار يتعرفون فورا على الكتب الفريدة من رائحتها وملمسها والمادة التي جلدت بها !
* وليقيني بأنني أحد "الببلومانيين" الذين يعتمد عليهم أرى في نفسي القدرة على "التطوع" وتعريف الببلوماني الأصيل من خلال الأعراض التالية :
- الببلوماني إن احترق منزله أول ما يفكر فيه إنقاذه كتبه الخاصة!
- قمة السعادة للببلوماني حضور أحد معارض الكتب أو حتى السماع بإقامتها في مدينة أخرى !
- الببلوماني إنسان يرتدي بالضرورة نظارة طبية ويصاب بصداع مزمن لعدم قدرته على ترك الكتاب الجيد في الوقت المناسب!
- الببلوماني المخلص لا يملك الكثير في البنك لأنه لا يستطيع كف يده عن أي كتاب جديد !!
- ونتيجة لعقدة الذنب هذه يحاول إقناع نفسه دائما بأنه عند الضرورة سيبيع الفائض منها .. ولكنه في الحقيقة لا يقبل حتى إعارتها !
- وأخيراً الببلوماني الحقيقي لا يتذكر تاريخ زواجه أو في أي مرحلة يدرس ابنه، ولكنه يتذكر متى اشترى كتاباً يملكه !
* ومع كل هذا أؤكد لك بأن الببلومانيا مرض لذيذ وكفيل بتوسيع المدارك والاطلاع على كل جديد (ناهيك عن فائدتها في تحرير مقال يومي) .. ومن المهم هنا التفريق بين الببلوماني الأصيل ومن يشتري الكتب بغرض الدراسة أو نيل ترقية مشروطة .. فالأخير تنقطع علاقته بالكتب - وقد يسارع للتخلص منها - بمجرد انتهاء حاجته إليها. أما الببلوماني المخلص فعلاقته بالكتب لا تنقطع إلا بدخوله القبر (وهو ما يمكن التعجيل به بإحراق مكتبته)!
ورغم أنني لن أصل يوما لمرحلة العبقرية أو الإبداع إلا أن التاريخ يثبت أن مامن عبقري أو مبدع سلم من هذا الداء - بدءاً بالشاعر اليوناني يوريبيديز في القرن الخامس قبل الميلاد وحتى المبدع الروسي باسترناك في هذا العصر. فبالنسبة لهؤلاء العباقرة كانت الببلومانيا عادة لاغنى عنها حتى يتراكم الفهم وتترابط الحقائق ويصل الدماغ لمرحلة "لابد للمكبوت من فيضان"!
- هل تعرفون أكثر ما يغيظني في هذا الموضوع !؟ .. أنني لم أقابل حتى الآن أمين مكتبة مصاباً بهذا المرض - فيا حبذا لو اقتصرت هذه الوظيفة على الببلومانيين وحدهم !
لا أعلم إن كان مسمى مرض الببلومانيا صحيحا
لحسن حظي أنا مصابة به